بين الماضي والحاضر.. تعرّفوا معنا إلى ”المختار“!
في قلب كل بلدة وقرية لبنانية، يبرز المختار كشخصية محورية تجمع بين الوجاهة الاجتماعية والدور الإداري. منذ العهد العثماني وحتى يومنا هذا، تطوّرت مهام المختار، لكنها ظلّت تحتفظ بجوهرها الأساسي: خدمة الناس والوقوف على حاجاتهم.
في بعض الأحيان قد يظن البعض ان المختار شخصًا يقتصر دوره على توقيع بعض الأوراق والمعاملات. لكن من يعرف المختار حقّ المعرفة، يدرك أن هذا الرجل هو نبض الضيعة وروح الحيّ وصوت الناس في أروقة الدولة.
في البداية فالنعرج قليلاً على مهام المختار بحسب القانون اللبناني، تشمل مهام المختار:
– إصدار الشهادات الرسمية (مثل شهادات الولادة والوفاة).
– التصديق على التواقيع.
– المساعدة في جمع الضرائب والرسوم.
– التعاون مع الجهات الأمنية والإدارية.
كان المختار في السابق يُختار من بين أصحاب الحكمة والكرم. بيته كان مفتوحًا للضيوف والمسافرين الذين يمرون في بلدته حيث كانوا يحطون رحالهم للاستراحة في منزل المختار، وانطلاقًا من مقولة نابليون بونابرت (وراء كل رجل عظيم امرأة) ولكي لا ننسى الركن الأساسي من منزل المختار، هو زوجة المختار التي كانت تشارك في استقبال الزوار وتقديم الضيافة لهم بكل محبة، حيث كانت تلعب الدور الأساسي لابراز كرم ذلك المنزل.
لكن بين مخاتير الأمس واليوم، هناك فرق واضح. مختار الأمس كان مرجعية اجتماعية، وقائدًا في الرأي، وصاحب هيبة في محيطه. علاقاته كانت تتخطى حدود بلدته لتصل إلى المحافظين والنواب، وله كلمة تُحترم وموقف يُحسب له حساب. أما اليوم، وفي ظل التراجع العام في احترام المؤسسات والشخصيات العامة، بات المختار يُعامل أحيانًا مجرد منفذ للمعاملات، تُلقى على عاتقه واجبات لا تُحصى، دون أن يُمنح حتى الحد الأدنى من الحقوق.
المختار اليوم، كما بالأمس، لا يتقاضى راتبًا من الدولة اللبنانية. يقوم بكل مهامه من دون أي تعويض مادي، ويدفع من ماله الخاص ثمن الاوراق والطوابع وأحيانًا تكاليف معاملات كاملة لأبناء بلدته، خصوصًا إذا كانوا من ذوي الدخل المحدود. حتى الضمان الاجتماعي، الذي كان يغطي الحد الأدنى من الاستشفاء قبل الأزمة الاقتصادية التي حلت على لبنان، أصبح الضمان اليوم لا يفي حتى بأبسط الفحوصات.
ورغم ذلك، لا يزال الكثير من المخاتير، خصوصًا في القرى النائية، يعملون بصمت، من منطلق الواجب والانتماء لا المنفعة.
رغم ذلك، لا يزال المختار هو حلقة الوصل بين المواطن والدولة، وهو ممثل منطقته أمام المحافظ، وصاحب الحق في المطالبة بالخدمات والمشاريع. ولكي يؤدي هذا الدور، عليه أن يكون صاحب شخصية قوية، وحنكة سياسية، وعلاقات اجتماعية واسعة، إضافة إلى قدرته على احتواء الخلافات وحل النزاعات بحكمة.
المختار ليس وظيفة، بل مسؤولية، وهو صورة عن البلدة، وعن تاريخها، وعن هموم ناسها. لذلك، يجب تقدير دوره، وتوفير الاحترام لما يقدّمه من تضحيات يومية في خدمة الناس.
