كتب الزميل هادي حسين شكر لـ”ZNN”:
في مثل هذه الأيام من العام 1975، اشتعلت شرارة الحرب الأهلية في لبنان، لتستمر أكثر من 15 عامًا، وتحصد آلاف الأرواح، وتزرع في ذاكرة اللبنانيين جراحًا لم تندمل بعد. واليوم، ونحن نُحيي الذكرى الخمسين لانطلاق تلك الحرب المشؤومة، نقف أمام محطة تاريخية تستدعي التأمل، والمراجعة، واستخلاص العِبر.
لقد علّمتنا تلك الحرب أن الانقسام لا يُنتج إلا الدمار، وأن الطائفية والحقد والتعصب لا تبني وطنًا، بل تهدم ما تبقّى منه. واليوم، في ظل الأزمات المتراكمة التي تعصف بلبنان، من انهيار اقتصادي خانق، وأوضاع معيشية مأساوية، إلى تحديات أمنية وسياسية متواصلة، يتكرّر مشهد التحريض والانقسام، وكأن البلاد لم تتعلم من مآسيها السابقة.
لكن رغم كل هذا، لا يزال في لبنان ما يستحق الحياة. ففي وطن لا تتجاوز مساحته 10 آلاف كلم²، يعيش شعب متنوع الانتماءات الدينية والسياسية، لكنه متحد في الأمل، في المعاناة، وفي الطموح نحو غدٍ أفضل. لبنان لا يمكن أن يتخلى عن نفسه، ولا يستطيع أحد أن يُقصي جزءًا من هذا النسيج الوطني. فالمسيحي لا يكتمل دون المسلم، والدرزي لا يستغني عن الشيعي، والسني لا يعيش دون الأرمني… كلنا في النهاية نكمل بعضنا البعض.
المؤسف أن بعض الجهات الخارجية لا تزال تحاول الاستثمار في وجع اللبنانيين، فتغذّي الصراعات، وتدسّ الفتن الطائفية والمذهبية، في محاولة لضرب هذا الوطن من الداخل. لكن الشعب اللبناني بات أكثر وعيًا، وأشد حرصًا على الحفاظ على وحدة بلده واستقراره.
في الذكرى الخمسين للحرب الأهلية، يجب أن نرفع الصوت عاليًا: لا عودة إلى الحرب، ولا مكان للفتنة بيننا. المطلوب اليوم هو الوعي، ثم الوعي، ثم الوعي… فلبنان لا يمكن أن يُبنى إلا بسواعد أبنائه، ووحدتهم، وتكاتفهم، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح الفئوية.
لنتعلّم من الماضي، ولنعمل من أجل الحاضر، ولنؤمن بأن المستقبل لنا إذا أردناه، وكان ولاؤنا لوطن لا لطائفة، وانتماؤنا لأرض لا لزعيم.
لبنان وطن الرسالة، باقٍ ما بقي أبناؤه أوفياء لبعضهم البعض.