“17 أيار: يوم سقطت السيادة في فخ التوقيع… هل يعيد التاريخ نفسه ؟
في مثل هذا اليوم قبل 42 عاماً، وُقّع اتفاق 17 أيار 1983 بين الحكومة اللبنانية والعدو الإسرائيلي برعاية أميركية، في واحدة من أكثر المحطات السياسية جدلاً في تاريخ لبنان الحديث.
جاء الاتفاق ثمرة 36 جولة تفاوض بدأت بعد الاجتياح الإسرائيلي للعاصمة بيروت عام 1982، وشكّل محاولة لفرض واقع سياسي وعسكري جديد على لبنان تحت عباءة “السلام”، لكنه قوبل برفض شعبي واسع واعتُبر بمثابة تفريط بالسيادة الوطنية.
ورغم إقراره في مجلس النواب، إلا أن المقاومة الشعبية والعسكرية التي تزايدت خلال عام 1983 وصولاً إلى انتفاضة 6 شباط 1984، أرغمت الدولة اللبنانية على إسقاط الاتفاق رسمياً في 5 آذار من العام نفسه.
في ما يلي، نستعرض أبرز بنود الاتفاق، وكيف تم التوقيع عليه، ومن شارك فيه، ولماذا وُصف بأنه “اتفاق الذل والعار” من قبل القوى الوطنية والسياسية في لبنان آنذاك.
• مع انتخاب أمين الجميل رئيساً للجمهورية بعد وصول قوات الاحتلال الصهيوني الى العاصمة بيروت، سرعان ما شرع في مفاوضات مع الإسرائيليين عام 1983 ونتج عنها اتفاق 17 أيار.
• وصل عدد جولات المفاوضات الى 36 جولة حتى تمّ التوصل الى اتفاق أعلن يوم 17 أيار
• حرر الاتفاق في فندق “ليبانون بيتش” في منطقة خلدة وكريات شمونة في اليوم السابع عشر من أيار 1983 على ثلاث نسخ بأربعة نصوص رسمية باللغات العربية والعبرية والانكليزية والفرنسية. في حال أي اختلاف بالتفسير يعتمد على حد سواء النصان الانكليزي والفرنسي.
• وقع عن حكومة الجمهورية اللبنانية: السفير انطوان فتّال وضم الوفد (القاضي أنطوان بارود، والسفير ابراهيم خرما، والعميد عباس حمدان، والعقيد سعيد القعقور، والعقيد منير رحيم).
• وقع عن العدو الصهيوني: مدير عام وزارة الخارجية الاسرائيلية دايفيد كمحي وضم الوفد الاسرائيلي (إيليا كيم روبنشتين، والسفير شمويل ديفون، واللواء ابراشا تامير، والعميد مناحيم اينان، والعقيد حمام الون)
• ترأس الوفد الأميركي موريس درايبر، وعاونه كريستوفر روس والن كريزيكو الذي حل مكانه مايكل كوزاك فيما بعد، وبول هير والعميد اندرو كولي والعقيد باتريك كولينز الذي حل مكانه المقدم دافيد انطوني
• عمدت اللجان النيابيّة المختصّة لدرس الاتفاق، وواقفت عليه وأحالته الى الهيئة العامة، فعقد مجلس النواب جلستين للنظر بالإتفاق، يومي 13 و14 حزيران 1983، حضرهما 72 نائباً. وصوّت لصالح الاتفاق 65 نائباً، فيما صوّت ضده النائبان زاهر الخطيب ونجاح واكيم، وامتنع 3 نواب عن التصويت، وتحفظ نائب واحد، وقاطع 12 نائباً التصويت.
• وصف رئيس حركة “أمل” – رئيس مجلس النواب حالياً – الأستاذ نبيه بري المعاهدة بـ”اتفاقية الذّل والعار”، مؤكداً أن هذا الاتفاق ولد ميتاً.
• كما رفضت جبهة الانقاذ الوطني الاتفاق، وكانت تضم سليمان فرنجية ورشيد كرامي ونبيه بري ووليد جنبلاط، في وقت أكد الرئيس السوري – آنذاك – حافظ الأسد أن هذا الاتفاق لن يمر.
• اندلعت تظاهرات شعبية في كافة المناطق اللبنانية بعد استشهاد الشاب محمد نجدي، مترافقة مع تحركات عسكرية على بعض المحاور حيث ارتفعت وتيرة العمليات العسكرية ضد العدو من جهة، وانطلقت انتفاضة 6 شباط 1984 في بيروت حيث سيطرة القوى الرافضة لاتفاق 17 أيار على القسم الغربي من العاصمة.
• في 5 آذار 1984، وتحت ضغط المقاومة العسكرية والشعبية، اضطر مجلس الوزراء اللبناني الى إلغاء الاتفاق.
واليوم، وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على اتفاق 17 أيار، تعود إلى الواجهة أسئلة كبرى: هل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل ما زالت هناك محاولات لفرض صيغ جديدة من الإملاءات السياسية تحت شعارات “السلام” أو “الاستقرار”؟
إن قراءة هذا الاتفاق وما رافقه من ظروف وضغوط، تضعنا أمام مسؤولية وطنية في حماية السيادة، وتدعو إلى الحذر من أي تسوية تُفرض من الخارج وتُوقّع في غرف مغلقة بعيداً عن إرادة الشعب ومصلحة الوطن.
فالتجارب تؤكد أن الشعوب التي تُدرك تاريخها، لا تسمح بتكرار أخطائه.