حين يرسم العقل ويفكر اللون: “أويسكو” تُحاور الإدراك في ندوة “قوّة العقل”
في إطار سعيها الدائم إلى بناء جسور التفاهم وتعزيز ثقافة الحوار والتلاقي، شاركت المنظمة العالمية لحوار الأديان والحضارات (أويسكو) في الندوة العلميّة والفكرية التي نظمها المجلس اللبناني–السعودي الثقافي، تحت عنوان:
“قوّة العقل: سيكولوجيّة الخطّ واللون”، والتي قدّمتها الباحثة والفنانة التشكيليّة إيليانا المر.
الندوة شهدت حضورًا نوعيًا لعدد من الشخصيات الفكرية والثقافية والدبلوماسية من لبنان والعالم العربي، مثّلت بتنوّعها لوحة حيّة لوحدة الروح رغم تباين الانتماءات.
الشيخة أماني الحقيل: المعرفة سلوك يومي
استُهل اللقاء بكلمة لرئيسة المجلس وعضو الهيئة الاستشاريّة في “أويسكو”، الشيخة أماني الحقيل، التي نوّهت بأهمية هذه الفعاليات في إشاعة الوعي الثقافي وتعزيز التفكير النقدي، داعية إلى تحويلها من محطات معرفيّة إلى ممارسات حيّة في الحياة اليومية.
إيليانا المر: “الفن ليس شكلًا يُرسم… بل وعيٌ يُبصَم”
وفي محاضرتها، قدّمت إيليانا المر رؤيتها المبتكرة لمنهج تشكيلي معرفي بعنوان “قوّة العقل – The Power of Mind”، مشيرة إلى أن الفن هنا ليس مهارة بصرية، بل أداة إدراكية تعيد تعريف العلاقة بين العين والعقل، بين ما نراه وما نظن أننا نراه.
طرحت المر تساؤلًا محوريًا:
“هل نرى فعلًا؟ أم أن عقولنا تقرّر ما نرى؟”
هذا السؤال، وفق المحاضِرة، لا ينتمي إلى التأمل الفلسفي المجرد، بل يشكّل قاعدة لفهم العلاقة بين الإدراك والفن.
وكشفت أن اللون في هذا المنهج هو كود سيكولوجي يؤثر على المشاعر ويوجّه الاستجابة دون وعي، فيما لا يُعدّ الخط شكلًا بصريًا، بل هو أثر عقلاني، بصمة وعي لا تمرّ مرور الشكل بل تمرّ كقرار ذهني.
أما التكوين البصري، فليس مجرد ترتيب لعناصر فنية، بل هو هندسة للإدراك، حيث ما نراه ليس دائمًا ما هو موجود، بل ما أُريد لنا أن نعتقد بوجوده.
إدراك، لا رؤية… فن يتسلّل إلى اللاوعي
شدّدت المر على أن الفن التشكيلي، كما تقدّمه في “الكود السرّي”، لا يشتغل على المرئي، بل على المُراد أن يُرى. فكل لون هو قرار عاطفي، وكل خط قرار وجودي، وكل لوحة سؤال داخلي خفي يتسلل إلى وعي المتلقي.
مداخلات الحضور: الفكر يلتقي الفن
وقد تميّزت الندوة بمداخلات ثرية من نخبة الحاضرين، عكست عمق التجربة وتنوّع زوايا النظر، ورسّخت قناعة بأن العقل والفن هما جوهر التكوين الإنساني، وأن الجمال لا يُرسم بالعين فقط، بل يُبنى في الذهن، حيث تبدأ كل حكاية إدراك.