لم نكن نتوقّع أن يُقام مهرجان «بيروت ترنّم» هذه السنة. من جهة، لم يدع المنظّمون إلى المؤتمر الصحافي المعتاد، بل التزموا الصمت لناحية إمكانية إقامة الدورة المرتقبة أو عدمها، ومن جهة أخرى، لم نجد ضرورة للتحرّي في هذا الخصوص ليقيننا بأن لا حاجة إلى الاستفسار حتى.حتى الأمس القريب، كان العدوان الإسرائيلي لا يزال مستمراً مع مؤشّرات تصعيدية يومية. لكن يبدو أن التحضير للمهرجان لم ينتظر وقف النار، وربما عوَّل المنظمون على «أعجوبة» قد تحدث… وحدثت بالفعل. قبل أيام قليلة، بدأت حملة إعلانية أظهَر إطلاقُها ميولاً انتحارية واضحة، مع بلوغ العدوان ذروته، ليَتبعها مباشرةً الإعلان عن اتفاق وقف النار التي تمّ التوصّل إليه قبل أسبوع من الآن، أي قبل أسبوع من انطلاق «بيروت ترنّم». صمت المنظّمين انسحب أيضاً على الإعلان المصوَّر، الذي يخلو من أي كلام أو معلومة: نسمع مقتطفات إنشادية مختلفة من حفلات سابقة، ونرى برفقتها مشاهد من شوارع بيروت، وأناس قلِقين يبحثون عن مصدر الصوت في الفضاء… صوت الموسيقى، لا صوت الطائرات المعادية. صوت بيروت التي ترنّم. ويختتم الإعلان بشعار الدورة الحالية: لا صوت يعلو فوق صوت الموسيقى.يُفتتح المهرجان عند السابعة والنصف من مساء اليوم بالـ Coronation Mass لموزار، بقيادة الأب توفيق معتوق (كنيسة مار يوسف – مونو/الأشرفية). بطبيعة الحال، كان متوقّعاً ومفهوماً أن تفتقر الدورة إلى فنانين أجانب. مع ذلك، تفاجأنا بتلبية بعضهم هذه الدعوة التي ربما لم يكن ليلبّيها مواطنٌ لبنانيّ لزيارة أهله. فتَحية إلى عازف البيانو الشاب، النجم البلجيكي فلوريان نوواك، الذي كسر الحصار غير المُعلَن، وكذلك لمواطنته عازفة التشيلّو ستيفاني هوانغ، التي ترافقه لتقديم أمسية (18 كانون الأول/ ديسمبر) في المهرجان الذي يستمر حتى 23 الجاري. كذلك، نشير إلى ريسيتال البيانو الذي يحييه الفرنسي تيو فوشنوريه (22/12)، وهو من جيل والطراز نفسه للزائر البلجيكي. في هذه الفئة أيضاً، أمسية لعازف الكمان الإسباني فرنسيسكو فويّانا، الذي يقدّم أمسية مع مواطنته وشريكته في التسجيل، عازفة البيانو ألبا فينتورا (16/12). أيضاً، اللافت هذه السنة، «نزوح» المهرجان إلى خارج «منطقته» (أي كنائس وكاتدرائيات بيروت، بالإضافة إلى «الجامعة الأميركية») مع تنظيم أمسيات في «كنيسة يسوع الملك» (زوق مصبح) و«دير سيدّة البلمند» (قضاء الكورة) والاستعاضة عن «الجامعة الأميركية» بـ «الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة – ألبا» (سن الفيل). أما في الجانب المحلّي من البرنامج، فنجد هذه السنة الأسماء التي باتت تعد من «أصدقاء» المهرجان، إذ كانت لها مشاركة شبه ثابتة فيه منذ انطلاقه (هذه دورته السابعة عشر)، مثل غادة شبير وعبير نعمة وفراس عندراي وريبال وهبة وماتيو خضر وغيرهم، بالإضافة إلى زياد الأحمدية وفرقته و«كورال الفيحاء» وبشارة مفرّج وكارلا شمعون وعدد من الجوقات التي تقدّم ترانيم وأغنيات ميلادية بشكل أساسي. أما هدية المهرجان الأبرز لموسم الأعياد، فهي عدم مشاركة غي مانوكيان الذي درجت العادة أن يختتم المهرجان في دورات سابقة! افتتاح المهرجان مع موزار كما أشرنا، في حين يُختتم (23/12) بتحية لبوتشيني في مئوية رحيله، على أن يُقسم برنامج الأمسية إلى اثنين: الأول مخصّص للإضاءة على أعمال دينية للمؤلف الإيطالي الذي يعرفه الجمهور عبر أعماله الأوبرالية، والثاني سيحمل طابعاً ميلادياً مع باقة من كلاسيكيات غنائية خاصة بالمناسبة.بعد ليالٍ من الظلام، على الناس أن تخرج إلى النور، وألاّ تفوّت فرصة الارتماء في أحضان الموسيقى، للعلاج، للحداد، للبكاء، للأمل، للانخطاف، للحزن، للعناق، للغضب، للخلاص… فهي الآن ضرورية، وهي هنا مجّانية. لن يعلوَ فوق صوت الموسيقى صوتٌ. لكن، في هذه الأثناء، أزيز المسَيَّرة الموَتِّر للأعصاب وللأجواء يعود بعد غياب أسبوع ليخترق سكون ليل بيروت. وبيروت لا بدّ من أن ترنّم، على أمل ألّا تضبط طبول الحرب إيقاع ترنيمها.مهرجان «بيروت ترنّم»: بدءاً من اليوم حتى 23 كانون الأول (ديسمبر) في أماكن مختلفة من بيروت وخارجها. الدعوة عامة. للاستعلام: beirutchants.com
بشير صفير ــ الاخبار
