هل تطيح الإنقسامات النّقابيّة بالمطالبات التربويّة؟
نائب رئيس التحرير
شهد عهد وزير التربية عباس الحلبي أزمات متلاحقة ضربت لبنان على كل المستويات الأمنية والإقتصادية والاجتماعية، ولكن الهاجس الأول للوزير وفريق عمله وعلى رأسهم مدير عام التربية عماد الأشقر آنذاك، كان إنقاذ الأعوام الدراسية والإحاطة بمطالب الهيئات التعليمية لا سيما الرسمية منها على قاعدة أن أي تحرك للامتناع عن مباشرة التعليم سيكون مضرًّا بالتعليم الرسمي.
ومن أجل ذلك، وتشهد أروقة وزارة التربية، عُقدت العشرات من الاجتماعات مع الروابط واللجان وممثلي الهيئات التعليمية بحضور الحلبي والأشقر ورغم كل العوائق والظروف والصعاب أعطي الأساتذة المتعاقدون حقوقًا هي بطبيعة الحال حق مكتسب لهم ولكنهم نالوها للمرة الأولى في عهد الحلبي وكان أبرزها: رفع أجر الساعة أكثر من مرة، تأمين بدل النقل، بدل الإنتاجية المحدد بـ375$ والذي فُصل عن ساعات العمل ومنح للأساتذة صيفًا وفي أيام التعطيل القسري الناجمة عن العدوان الإسرائيلي، وكان كل العاملين في القطاع التربوي قد استفادوا من بدل الإنتاجية وتم تحويل قرار زيادة أجر الساعة للمتعاقدين إلى مجلس الخدمة المدنية هذا بالإضافة إلى المساعي الحثيثة لتوحيد كل المتعاقدين من خلال الملاك وتثبيتهم وإن اصطدمت مساعي التثبيت بعدم انتظام عمل المؤسسات الدستورية ما أعاق دخول هذه المساعي حيز التنفيذ.
وبالرغم من كل ما سبق، كان الإضراب السيف المسلط الذي يُستخدَم عند كل مفترق، ويهدَد به لو تم تأخير الدفع يومًا واحدًا وطبعًا لا يخفى على أحد كم تسببت إضرابات الأساتذة الملاك والمتعاقدين بضياع أعوام دراسية وتراجع التعليم الرسمي وانعدام الثقة به.
وهنا لا بد من التأكيد مجددًا دون شك إلى أن كل المطالب هي محقة، وهي ضرورية، وملحة، والسؤال الأهم الذي يُطرح اليوم هو أن الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي استدعت إجراءات استثنائية واجتراح حلول ولو جزئية لدعم الأساتذة وتمكينهم هل تغيرت نحو الأفضل بما يستدعي تخفيض القيمة الإجمالية لما يتقاضاه الأساتذة؟
الجواب هو طبعًا لا.
وردة الفعل على هذه القرارات كانت انفجار الوضع تربويًّا واللجوء إلى إضرابات شلت العمل في المدارس الرسمية بالإضافة إلى اعتصامات أمام وزارة التربية.
ولكن…
في المقلب الآخر هناك أيضًا أسئلة تُطرح وقد تجلت الضرورة إلى طرحها أولًا عبر الانقسامات العمودية والأفقية التي طفت إلى الواجهة بين الأساتذة المتعاقدين والملاك وبين الأساتذة المتعاقدين أنفسهم وثانيًا عبر التساؤل إن كانت الإضرابات اليوم هي ردة فعل على عدم تحقيق المطالب فماذا كانت أسبابها في عهد الوزير الحلبي؟ وأيضًا وأيضًا ما حقيقة الغمز من تحت الطاولة من قبل مطلعين على ارتباط الإضرابات بملفات غير تربوية تبدأ بالإنتخابات البلدية وغير معروف أين تنتهي؟
وبعد..
نهار الإثنين أضرب المتعاقدون، واعتصموا أمام وزارة التربية، ثم اجتمعوا مع وزيرة التربية، وانقسموا بين مؤيد لفك الأضراب وبين مؤيد لاستمرار الإضراب وبين من رمى الاتهامات على الملاك بتسببهم بخسارة المتعاقدين ساعات لأنهم اتخذوا القرار بالاضراب اليوم.
من جهة ثانية الأساتذة الملاك، اعتصموا اليوم وأعلنوا استمرار الإضراب وحددوا سلة مطالب.
وقد تزامن اعتصام الأساتذة الملاك أمام مقر وزارة التربية اليوم مع اللقاء التربوي الأسبوعي الذي تعقده الوزيرة د.ريما كرامي مع التربويين، فإذا بقاعة المسرح في الطابق الحادي عشر من وزارة التربية تمتلئ بشكل كلي بالأساتذة الذين وجدوا الفرصة للتعبير وكان حريًّا بهم الاستفادة من هذه الفرصة ولكن طيلة ساعتين ونصف انبرى الموجودون إلى إعادة استعراض المشاكل، وتبادل التهم، ومطالبة البعض بحل الهيئات الإدارية للجان التمثيلية لأنها لا تمثلهم على حد قولهم، كما انبرى آخرون إلى عرض مشاكل فردية من ترميم مبان مدرسية إلى تعيين مدير وغير ذلك ما أضاع البوصلة الأساسية التي جهدت الوزيرة كرامي في توجيه الحاضرين إليها عبر طلبها تقديم الاقتراحات لا استعراض المشكلات مؤكدة أنها لا تملك في هذه المرحلة سوى تشخيص المشاكل من أجل البحث عن سبل الحل دون أن تتمكن بطبيعة الحال من إعطاء أي وعد وشبهت الوضع بمن يجد نفسه محاصرًا بحريق فتكون ردة فعله هي الهروب من النار لا البحث عن أسباب نشوبها وإلى أن يصبح خارج مدار اللهب يبدأ بتحديد المسببات والفرضيات والبحث عن حلول.
طبعًا، الأساتذة لا يملكون ترف الوقت، وجيوبهم فارغة، وكما قالت كرامي الدولة مفلسة، وأي تمويل من جهة خارجية يكون مشروطًا، وبالتالي لا حلول فورية…..
إزاء كل هذا المشهد المتخبط، لعل حجر الأساس ونقطة الانطلاق يجب أن تكون بأن يقوم الأساتذة وبكل مسمياتهم بتوحيد صفوفهم وتحديد مطالبهم والاتفاق على اقتراحاتهم وما ليس خافيًا على أحد أنه حتى اللحظة تم تقديم عشرات المقترحات وكل مقترح يتناقص مع الآخر ويمثل وجهة نظر البعض ويناقض وجهة نظر الآخر..
ختامًا، كيف سينتهي هذا السيناريو؟ وهل ستتمكن وزارة التربية في عهدها هذا من إنقاذ العام الدراسي أقله عبر الحفاظ على مكتسبات عهد الحلبي أم أن العام الدراسي 2024-2025 سيكون عامًا إضافيًا من الخسارات التربوية وهل سيتم أخذ العبر من زوايا المقاربة التي اعتمدها الحلبي والأشقر والتي مكنتهما من إنقاذ العام الدراسي المنصرم وتأمين انطلاقة العام الدراسي الحالي على وقع النيران والصواريخ والقذائف؟