التعليم في لبنان على حافة الانهيار… فهل من إنقاذ؟
رئيس التحرير
شهد لبنان خلال السنوات الأخيرة أزمات متلاحقة أثّرت بشكل مباشر على القطاع التربوي، بدءًا من جائحة كورونا التي فرضت تحديات غير مسبوقة على العملية التعليمية، مرورًا بالأزمة الاقتصادية الخانقة التي أنهكت المؤسسات التربوية، وصولًا إلى الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة التي طالت المدارس والبنى التحتية، فضلاً عن عدم الاستقرار الأمني والسياسي الذي أضعف جهود النهوض بالتعليم. ومع دخولنا عصر الذكاء الاصطناعي، أصبح من الضروري إعادة النظر في المناهج التربوية لتواكب المتغيرات العالمية وتضمن مستقبلًا أفضل للأجيال القادمة.
التحديات الراهنة وتأثيرها على التعليم
- الأزمة الاقتصادية: نزيف في الكوادر والبنى التحتية
يعاني القطاع التعليمي في لبنان من انهيار غير مسبوق نتيجة الأزمة الاقتصادية، حيث انخفضت قيمة رواتب المعلمين، وازدادت معدلات الهجرة بين الكفاءات التربوية، ما أدى إلى ضعف جودة التعليم. كما تعاني المدارس الرسمية من نقص حاد في التمويل، مما يحدّ من قدرتها على تأمين بيئة تعليمية ملائمة. - جائحة كورونا: التعليم عن بُعد كشف الهشاشة
كشفت الجائحة هشاشة النظام التعليمي في لبنان، حيث لم تكن المدارس جاهزة للانتقال إلى التعليم عن بُعد بسبب ضعف البنية التحتية التكنولوجية وغياب التدريب المناسب للمعلمين والتلامذة. ونتيجة لذلك، تفاقم الفاقد التعليمي وزادت الفجوة بين طلاب المدارس الرسمية والخاصة. - الاعتداءات الإسرائيلية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي
تعرّضت العديد من المدارس في الجنوب للدمار أو الضرر نتيجة العدوان الإسرائيلي، مما فاقم الأزمة التربوية في تلك المناطق. كما أن عدم الاستقرار السياسي والأمني ينعكس سلبًا على العملية التعليمية، حيث تعاني المدارس من انقطاع متكرر للدروس وتأجيل الامتحانات الرسمية.
كيف ننهض بالتربية والتعليم؟
أمام هذه التحديات، يصبح النهوض بالتربية والتعليم في لبنان ضرورة وطنية تتطلب حلولًا جذرية ومستدامة، ومنها:
- إطلاق خطة طوارئ تربوية
يجب وضع خطة متكاملة تهدف إلى تعويض الفاقد التعليمي من خلال برامج دعم دراسي مكثفة، وتوفير بيئة تعليمية آمنة، وإعادة تأهيل المدارس المتضررة بأسرع وقت. - إصلاح المناهج لمواكبة العصر
لم تعد المناهج الحالية تلبي احتياجات التلامذة في ظل التطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي. لذا، لا بد من تحديثها بما يركز على المهارات المستقبلية مثل التفكير النقدي، التحليل المنطقي، البرمجة، والذكاء الاصطناعي، إضافةً إلى تعزيز التعلم التفاعلي بدلاً من التلقين التقليدي. - تدريب المعلمين على التكنولوجيا الحديثة
يجب الاستثمار في تدريب المعلمين على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا في التعليم، مما يساعدهم على تطوير أساليب التدريس ويجعل العملية التعليمية أكثر جاذبية وفعالية. - تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص
يمكن للقطاع الخاص والمنظمات الدولية أن تلعب دورًا رئيسيًا في دعم التعليم، سواء من خلال توفير التمويل، أو المساهمة في تحديث المناهج، أو تطوير منصات تعليمية رقمية متقدمة. - إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم الجامعي
مع دخول الذكاء الاصطناعي بقوة في مختلف القطاعات، يجب أن يكون التعليم الجامعي في لبنان متماشياً مع هذه الثورة الرقمية. لذلك، من الضروري إدخال مقررات متخصصة في الذكاء الاصطناعي، وتحفيز الطلاب على تطوير مهاراتهم في البرمجة وتحليل البيانات، ما يعزز فرصهم في سوق العمل.
خاتمة
التعليم في لبنان أمام مفترق طرق، فإما أن يكون رافعة للنهوض بالوطن أو أن يبقى رهينة للأزمات المتلاحقة. إن تحقيق نهضة حقيقية في هذا القطاع يتطلب إرادة سياسية وإصلاحات جذرية، تبدأ من تحديث المناهج، وتأهيل الكوادر التربوية، وتوفير بيئة تعليمية حديثة تواكب التطور التكنولوجي. وحده الاستثمار في التعليم قادر على ضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة، وتمكين لبنان من استعادة موقعه الريادي كمركز ثقافي وتربوي في المنطقة.