أسئلة “يهمس” بها الشيعة اللبنانيون حول المفاوضات الإيرانية – الأميركية

كاتب وباحث سياسي وأستاذ جامعي
ينشغل العالم بالمفاوضات الإيرانية – الأميركية التي بدأت لتفادي الحرب بين إيران والتحالف الأميركي – الإسرائيلي، وذلك لأهميتها وانعكاسها على المنطقة والعالم، وإعادة ترتيب التحالفات، وتقرير مصير الحروب المشتعلة، لجهة توسعتها أو إطفاء نارها!
ويمكن القول إن الشيعة في لبنان والعراق واليمن هم أكثر المهتمين بهذه المفاوضات، مع أن إيران قد صرّحت بأنها لا تفاوض بالوكالة عن حلفائها في المنطقة، لتوضيح أن الحلفاء يملكون حرية التفاوض واتخاذ القرار، أو أن المفاوضات ستكون خاصة بإيران دون غيرها من الملفات. وهذا ما ستُظهره نتائج المفاوضات إذا نجحت!
إنّ أي مفاوضات تؤدي إلى وقف الحرب تُعدّ عملاً شرعياً مطلوباً، ولا يمكن معارضته أو الوقوف ضده، شرط حفظ الكرامة والحقوق، وليس الاستسلام “المقنّع” أو التراجع عن المبادئ والشعارات، أو تغيير الأهداف. فإذا تعارضت مع الثوابت، تصبح عملاً غير مشروع ولا يحقق مصلحة الأمة!
يطرح الشيعة اللبنانيون في مجالسهم واجتماعاتهم ونقاشاتهم الكثير من الأسئلة التي يحاولون أن تبقى داخل مجالسهم، وبعضها لا يتعدّى “الهمس” أو الإشارة، وبعضها يُطرح بخجل مترافق مع التبرير بأن الموقف ليس احتجاجاً أو تشكيكاً، بانتظار نتائج هذه المفاوضات وتأثيرها على لبنان وعلى الشيعة المهدَّدين، الذين لم تنتهِ الحرب عليهم حتى الآن، بل تزداد الضغوط والحصار عليهم، وقد وجدوا أنفسهم يقاتلون وحدهم ويدفعون الأثمان وحدهم نيابة عن الجميع، بسبب صدقهم وإخلاصهم وإيثارهم مصلحة الأمة والجماعة والقضية العامة على أنفسهم!
تتزايد الأسئلة المطروحة التي تحتاج إلى أجوبة صريحة وسريعة من القيادة الإيرانية، وليس من قيادة المقاومة في لبنان، دون تأخير، في ظل الحالة النفسية والعاطفية التي يعيشها الشيعة اللبنانيون، وحالة الخيبة دون انهزام، مع أنهم ناصروا الجميع ولم ينصرهم أحد، وقدّموا للجميع، ولم يعترف أحد بتضحياتهم، حتى الذين ساندوهم، فشكرهم كان همساً لا تصريحاً!
ومن هذه الأسئلة:
- إذا كانت المفاوضات مشروعة وغير محرّمة مع أميركا “الشيطان الأكبر”، فلماذا تأخرت، بعدما قاتلت المقاومة في لبنان “سنة” في حرب الإسناد و66 يوماً في الميدان، واستشهد قادة من المقاومة، وفي مقدمتهم “السيد الشهيد” الذي وصفه رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، بأنه “محور المحور”؟
- هل المفاوضات الإيرانية – الأميركية تتضمن حماية المقاومة وأهلها في لبنان ضمن المقايضات والتنازلات المتبادلة؟ خاصة أن الشيعة اللبنانيين يدفعون ثمن ارتباطهم وتأييدهم لإيران، ويدفعون ثمن عجز الآخرين عن ضرب إيران، وبسبب محاولة أعداء إيران إغلاق نوافذها على العالم، فيكون الشيعة اللبنانيون ضحايا أميركا وإسرائيل والعرب والغرب؟
- هل صحيح أن إيران كانت ضد حرب الإسناد؟ وإذا كان الأمر صحيحاً، فلماذا لم تُلزم المقاومة وقيادتها ضمن منظومة “ولاية الفقيه” بعدم الانخراط في الحرب؟ وإذا كانت إيران مع حرب الإسناد، التي طوّرها العدو الإسرائيلي إلى حرب وجودية ضد الشيعة في لبنان، فلماذا تُركت المقاومة وحيدة، وهي التي لم تتراجع، وقاتل مجاهدوها قتال الكربلائيين، ولا زالت أشلاؤهم منثورة في حقول وتلال الجنوب؟
لقد توجّسنا خيفة من رسالة السيد “ظريف” في ذروة الحرب علينا، عندما قال “شالوم” لليهود الذين أنقذهم من “البابليين”، ونتوجّس الآن خوفاً أكبر إذا أُضيفت “هاي” إلى “شالوم”…
لسنا نادمين على ما قدّمناه من تضحية وإيثار في سبيل القضية الفلسطينية، ودعم الثورة الإسلامية في إيران، ودعم أي مظلوم في العراق وسوريا واليمن والبوسنة وغيرها.
نحن الشيعة اللبنانيون، روّاد “عولمة” الفكر الشيعي في العالم، وروّاد حركة التحرير ومقاومة الانتداب. فكان المرجع السيد محسن الأمين رائد استقلال سوريا، والمحقّق الكركي، والشيخ بهاء الدين العاملي، وعلماء الشيعة اللبنانيين، روّاداً في نشر “الإسلام الشيعي” في أفغانستان، وتغيير إيران إلى المذهب الشيعي!
نحن الشيعة اللبنانيون الذين دعموا ثورة عز الدين القسام بالسلاح، واحتضنوا المقاومة الفلسطينية.
لسنا نادمين، رغم حزننا الكبير على الشهداء الأبطال الشجعان، حيث دفع الشيعة اللبنانيون خلال حرب الـ66 يوماً ما يتجاوز عدد الشهداء الذين قدمتهم كل الأحزاب المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي خلال 18 عاماً.
بانتظار الأجوبة، لن نشكك بإيران، وسنبقى معها، وسنفرح إن نجت من الحرب وبقينا نحن فيها، ولن نندم على ما قدّمناه، ولن نتنازل عن مبادئنا وعقيدتنا، ولن نسلّم سلاحنا، حارس عقيدتنا ووجودنا، والذي سيعود بإذن الله ليُغيّر الواقع الذي نعيشه.
ونذكّر الجميع أن المقاومة في لبنان كانت منذ الصليبيين، ثم المماليك والفرنسيين، وليست حديثة العهد، وأنها تتّكل على المدد الإلهي وصدق أهلها، ولن يغلبها أحد، ولن يهزمها أحد، ولن ينزع سلاحها أحد… ولكنها ستقاتل دفاعاً عن أهلها، ولن تقاتل نيابة عن أحد أو إسناداً لأحد بعد الآن!
الشيعة اللبنانيون… ليسوا أغبياء في التفاوض، لكن مشكلتهم أنهم حرّاس العقيدة والمبادئ، وأهل الإيثار، ويأتمرون بالآية الكريمة:
﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾
… ولن نتّبع مِلّة أميركا وإسرائيل.