العنف يبدأ من البيت… “اللي بيضربك اضربه” وصيّة تنسف التربية من جذورها
بقلم: محمد غالب غزالة
“اللي بيضربك اضربه”… عبارة تتردد على لسان العديد من الأهل، غالبًا بحسن نية، وكأنها درعٌ يحمي أطفالهم في عالم لا يرحم. ولكن خلف هذه العبارة الشعبية، قصصٌ من العنف، والارتباك النفسي، ومفاهيم مغلوطة عن القوة والدفاع عن النفس. فهل هي حقًا وصية للحماية، أم دعوة مبكرة لعدوى العنف؟ وما هو البديل التربوي الذي يجب أن يتعلمه الأطفال بدلًا من هذه التوجيهات الخطيرة؟
وصية أم وصمة؟ جذور شعبية… وثمن نفسي
في كثير من البيوت، تنطلق هذه العبارة كجزء من تحضير الطفل للمدرسة، لكنها في الواقع تؤسس لرد فعل عدواني، وتربط بين الكرامة والعنف. تظهر الدراسات النفسية أن الطفل الذي يُشجَّع على الرد بالضرب غالبًا ما يطوّر شخصية دفاعية، ويفقد القدرة على استخدام الحوار أو ضبط الانفعال.
خبير نفسي يوضح لـ ZNN :
“عندما تقول لطفلك اضرب من يضربك، فأنت تمنحه رخصة للعدوان بدلًا من تعليمه كيف يحمي نفسه بحكمة. هذا لا يبني ثقة حقيقية، بل يخلق قلقًا دائمًا، ويعزز سلوك الانتقام بدل الوعي.”
تربية على الحقد… لا على الحقوق
العنف لا يصنع رجولة… بل هشاشة
غالبًا ما يُربط بين هذه العبارة ومفاهيم الرجولة والصمود، لكن الواقع يقول غير ذلك. في بيئة مدرسية تحتاج إلى مهارات تواصل وتفكير نقدي، يكون العنف دليلًا على ضعف في الأدوات التربوية والاجتماعية. وتشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يتعرضون للعنف أو يُشجعون عليه، يميلون لاحقًا إلى العزلة، أو إلى ممارسة التنمر.
من الدفاع إلى التفوق: ما الذي يجب أن يتعلمه الطفل بدلاً من الضرب؟
بدلًا من زرع ثقافة “العين بالعين”، يمكن تعليم الطفل:
-
طلب المساعدة من الكبار عند التعرض لأي اعتداء.
-
التعبير عن مشاعره بالكلمات، وليس باليد.
-
الثقة بالنفس وضبط الانفعال في المواقف الصعبة.
-
أساليب الدفاع الذكي كالمغادرة، الرفض الحازم، أو إشراك الأهل والمعلمين.
-
فهم الفروقات بين الشجاعة والعدوان.
ويقول علماء التربية :
“الطفل الذي يُمنح مهارات المواجهة السلمية يكون أكثر احترامًا لذاته، وأكثر توازنًا في علاقاته، وأقدر على التعامل مع التحديات بطريقة ناضجة.”
الإعلام والتربية… من يغيّر المعادلة؟
من المهم أن تتحمل وسائل الإعلام والمدارس دورًا في كسر هذه الثقافة التي تبرر العنف، عبر حملات توعية ومناهج تعلم الطفل الحقوق والواجبات، وتُعزّز مفهوم “القوة الأخلاقية” بدلًا من القوة الجسدية.
كن قدوة لا مقاتلاً!
الطفل يتعلم من قدوته الأولى: أهله. فإن عاش في بيئة تحلّ النزاعات بالحوار والوعي، فإنه يكتسب تلك المهارات. أما إن نشأ على قاعدة “اضرب من يضربك”، فقد يعيش عمره يحارب أشباحًا لا تنتهي، ولا يفوز إلا بالمزيد من الانكسار الداخلي.