أميركا.. ونزع السلاح السياسي والمعنوي للشيعة!/ د. نسيب حطيط
يحشد التحالف الدولي بقيادة أميركا، دورياته الفرنسية والأميركية وبوارجه الألمانية، والبوليس الدولي المتعدّد الجنسيات، لمساندة إسرائيل في حربها المستمرة على المقاومين الشيعة في لبنان، بهدف نزع سلاح المقاومة، بالتوازي مع قيادة أميركا للحرب السياسية والإعلامية والإدارية والمعنوية ضد الطائفة الشيعية، بواسطة دورياتها المشتركة من قوى اليمين المسيحي والمسترزقين، وعبر المؤسسات الدستورية من مجلس النواب والحكومة وغيرها.
تستمر الحرب الأميركية السياسية والمعنوية والاقتصادية، لحصار الشيعة واستفزازهم، ودفعهم للنزول إلى الشارع ضمن فخٍّ متعدّد الوجوه، أو دفعهم للانقلاب على المقاومة والضغط عليها لتسليم سلاحها، بحجة أنها السبب في كل المآسي والتدمير والقتل والتهجير والحصار الذي يتعرّض له الشيعة، من دون تحميل العدو الإسرائيلي وأميركا وحلفائها مسؤولية هذا العدوان المستمر منذ اغتصاب فلسطين عام 1948، قبل أن تولد المقاومة، وقبل أن يكون بيد الشيعة أي سلاح للدفاع عن النفس!
التزمت الطائفة الشيعية وقف إطلاق النار ميدانياً، واستمر العدو الإسرائيلي والتحالف الدولي بحربه، عبر التفتيش والمداهمات وتفجير السلاح الذي سلّمته المقاومة أو تنازلت عنه للجيش اللبناني. كما التزمت الطائفة بوقف النار السياسي وتهدئة الشارع، واستيعاب الهجمات الوقحة والحاقدة من بعض القوى السياسية اللبنانية، فيما استمر الآخرون بهجومهم على رموز الطائفة ومعتقداتها، وعلى تمثيلها السياسي، لنزع سلاح التمثيل النيابي الشيعي وتصفيره وتهميشه، كما حصل في انتخابات رئاسة الجمهورية أو تكليف رئيس الحكومة وإقرار القوانين، حيث حكمت “الديمقراطية العددية”، وسقطت “الميثاقية” التي كان يحتمي بها كل فريق سياسي طائفي للدفاع عن حقوقه، عندما تعلّق الأمر بحقوق الشيعة ومكتسباتهم. وتحوّلت العملية السياسية إلى ديمقراطية مزدوجة المعايير، حيث يرضى المسيحيون، خصوصاً أدوات أميركا، بالديمقراطية العددية في مجلس النواب ومجلس الوزراء، لكنهم يرفضونها في الانتخابات البلدية والنيابية، بحجة حماية المناصفة والعيش المشترك وحقوق المسيحيين!
ألغت “الحاكمة الإدارية الأميركية للبنان” نتائج الانتخابات النيابية السابقة للطائفة الشيعية، حيث صار دور النواب الشيعة تأمين النصاب ودعم “المسرحية الديمقراطية” في المجلس النيابي، وإدارة الجلسات لتأمين القوانين التي طلبتها “الحاكمة الأميركية” في زيارتها السابقة. في المقابل، لم يستطع النواب الشيعة إقرار قوانين لإعادة إعمار القرى التي دمّرتها إسرائيل، أو إعفاء أهلها من رسوم الكهرباء والهاتف المقطوعة عنهم، بينما تستمر الدولة، عبر وزارة المهجّرين، بدفع التعويضات للقرى المدمّرة جزئياً في الجبل منذ الحرب الأهلية اللبنانية حتى الآن!
لم يتمكن النواب والوزراء الشيعة وقواهم السياسية من حماية المعنى الرمزي لعيد المقاومة والتحرير، وخضعوا لتغيير الموعد بعد تحديده من الحكومة اللبنانية!
يستمر مخطّط نزع السلاح المعنوي والسياسي للشيعة في لبنان بشكل متسارع، بالتوازي مع مشروع نزع سلاح المقاومة، الذي تم إنجاز المرحلة الأولى منه في منطقة “جنوبي الليطاني”، التي أصبحت منطقة مستباحة ومفتوحة للاحتلال الإسرائيلي وللقوى المتعدّدة الجنسيات، وكل جيوش العالم، ما عدا أهل الأرض من المقاومين، الذين لا يستطيعون التجول “دون سلاح” في سياراتهم المدنية أو دراجاتهم النارية، أو حتى سيراً على الأقدام!
أعادت “الحاكمة الإدارية الأميركية للبنان” التأكيد على إلغاء نتائج الانتخابات النيابية السابقة للشيعة، وشدّدت على أنه مهما كانت نتائج الانتخابات النيابية المقبلة، فلن تعني شيئاً لها، ولو احتكرت الثنائية كل النواب الشيعة، فلن يكون لهم دور في التشريع أو المعارضة لأي قانون تريده أميركا، كما يحصل الآن!
إن ما تتعرّض له الطائفة الشيعية اليوم، ويهدّد وجودها الديموغرافي والسياسي، يستدعي من قيادات الطائفة ونخبها وفعالياتها ومثقفيها الدعوة إلى “مؤتمر عام”، يناقش المخاطر التي تتهدّد الطائفة، والخروج من “المياومة السياسية” وردّات الفعل الظرفية، أو التبريرات السطحية غير المقنعة، أو تبرير التراجع تحت عنوان “الربح” عبر تقليل الخسائر. كما يستدعي التوقف عن المكابرة، والاعتراف بالواقع.
ليس عاراً أن نخسر معركة قاتلنا فيها حتى الاستشهاد… لكن ليس صواباً أن لا نراجع ما مضى لتصحيح المسار، وأن نستمر بالعمل بنفس الأساليب والخطط والأشخاص.