الراعي من العدوسية: لا سلام في لبنان من دون الجنوب
تغطية إعلامية : محمد عون
اختتم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي جولته الجنوبية بزيارة مميزة إلى بلدة العدوسية – قضاء صيدا، حيث كان في استقباله النائب الدكتور ميشال موسى، النائب البطريركي العام المطران الياس نصار، راعي أبرشية صور المطران شربل عبدالله، رئيس كاريتاس لبنان الأب ميشال عبود، الأب جريس الحاج، رئيس اتحاد بلديات ساحل الزهراني علي مطر ونائبه رئيس بلدية العدوسية عبد المسيح الطيار، إضافة إلى رؤساء بلديات الصرفند والغسانية والنجارية، ومدير شبكة الزهراني الإخبارية محمد غزالة، وممثلين عن التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، ووفد من مدرسة راهبات الوردية المعمرية، ورئيس إقليم كاريتاس لبنان في صيدا والزهراني إيلي أبو فاضل، وحشد من الفعاليات التربوية والاجتماعية والدينية وأهالي البلدة.
وألقى الأب جريس الحاج كلمة ترحيبية نوّه فيها برعاية البطريرك الراعي ودوره في احتضان الرعية، مؤكداً على ثبات أبناء العدوسية في زمن الحرب وصمودهم في أرضهم.
وقال الحاج : نستقبلكم اليوم وقلوبنا تخفق بفرح لا يُقاس، وعيوننا تلمع برجاءٍ جديد. حضوركم بيننا ليس مجرد زيارة رعوية، بل هو حدث تاريخي محفور في وجداننا، هو عيد للبلدة كلّها، هو لحظة لقاء بين الأب وأبنائه، بين الراعي وقطيعه، بين البطريرك وكنيسة حيّة صمدت في وجه المحن.
رعيتنا، يا صاحب الغبطة، ليست غريبة عن الألم. لقد عرفنا الحرب بكل بشاعتها: دمارًا، حصارًا، خوفًا، وجوعًا. لكننا عرفنا معها قوة الله العاملة في الضعف. في الليالي الحالكة، لم يكن سلاحنا سوى المسبحة والقداس اليومي، ولم يكن سلاح أهلنا سوى الإيمان العميق بأن المسيح الحيّ هو حصنهم وأمانهم. كنّا شعبًا محاصرًا، لكننا كنّا أيضًا شعبًا قائمًا على رجاء لا ينكسر. وما انتصر في النهاية إلا صمود الإيمان وصلابة الرجاء.
اليوم، بزيارتكم المباركة، نشعر أنّ دموعنا لم تذهب سدى، وتضحياتنا لم تُمحَ من ذاكرة الكنيسة. أنتم، غبطة أبينا، تجسّدون حضن الكنيسة الأم، أنتم صوتها الجريء في وجه الباطل، وملجأ أبنائها في زمن الضياع. زيارتكم توقظ فينا العزم لنثبت أكثر في أرضنا، لنقاوم أكثر في إيماننا، ولنبقى جماعة شاهدة بأن الموت لا يغلب القيامة.
ومن قلب هذا اللقاء الحيّ، نرفع إليكم نداءنا الأبوي: ابقوا لنا الراعي الساهر، السند الأمين، الصوت الصارخ في برية هذا الشرق الجريح. نحن بحاجة إلى حضوركم، إلى كلمتكم الجريئة، إلى نظرتكم التي تبث الرجاء في قلوبنا. فكونوا لنا أبًا يرافقنا، وراعيًا يسهر علينا، وقائدًا يذكّر العالم أنّ هنا شعبًا حيًّا، باقٍ، لا يساوم على إيمانه ولا يتخلّى عن أرضه.
ولا يمكننا، في هذا اليوم المبارك، إلا أن نرفع الشكر والامتنان لكل من شارك في صمود هذه البلدة: لعائلاتها التي حفظت وحدتها، لرئيس بلديتها ومجلسها البلدي الذين وقفوا بوجه العواصف، لشبيبتها التي أعطت المثال في الجرأة والالتزام، ولأمهاتها وآبائها الذين سهروا بالصلاة، وأضاؤوا قلوبنا بتلاوة المسبحة الوردية وبالمواظبة على القداس اليومي. هؤلاء هم أبطال الصمود الحقيقيون، وهم حجارة حيّة في بناء هذه الكنيسة.
ويطيب لنا أن نتوجّه بأسمى معاني الشكر والعرفان إلى راعي أبرشية صور المارونية، سيادة المطران شربل عبدالله السامي الاحترام، الذي كان معنا أبًا ورفيق درب في أحلك الساعات. لقد غمرنا بدعمه، واحتضننا برعايته، وكان صورة الأسقف الذي يحمل صليب شعبه ولا يتخلى عنهم. له منا اليوم تحية إجلال ومحبة وامتنان.
أهلاً بكم يا صاحب الغبطة في قلب بلدة صامدة، وأهلاً بكم في رعية لا تزال أمينة لعهدها مع المسيح. نجدد أمامكم عهدنا بأن نبقى ثابتين في إيماننا، متحدين بكنيستنا، مستندين إلى رعايتكم الأبوية. صلاتنا معكم، وقلوبنا معكم، وليحفظكم الرب دومًا لنا أبًا حارسًا، وراعيًا ساهرًا، وصوتًا شجاعًا يعلن الحق في وجه هذا العالم.
أهلاً وسهلاً بكم، غبطة أبينا، بين أبنائكم الذين يفتخرون بكم، ويحيطونكم بمحبتهم وصلواتهم
من جهته، عبّر البطريرك الراعي عن سروره بما لمسه خلال جولته الجنوبية من صمود الأهالي وتعلقهم بأرضهم، وقال: «لا سلام في لبنان من دون الجنوب، ولا استقرار في لبنان من دون الجنوب». ودعا الدولة بكامل أجهزتها، لا سيما الرؤساء الثلاثة جوزاف عون، نبيه بري ونواف سلام، إلى الإسراع في عملية الإعمار وإعادة الحياة إلى طبيعتها في الجنوب.

