الأنفاق أدت دورها التكتيكي وتنتظر / العميد المتقاعد حسين الشيخ علي
منذ ما بعد حرب 2006 على لبنان أدركت المقاومة ومعها الدولة الراعية إيران أن العدو يملك تفوقاً جوياً من خلال القوة الجوية المدمرة بأحدث الطائرات الحربية، وكذلك من خلال المسيرات التي كانت تلاحق الشاحنات والسيارات والدراجات النارية في تلك الحرب. وأن هذا التفوق سوف يمنع أي تحرك للقوى التي تريد مواجهة أي عدوان إسرائيلي سواء على لبنان أو على قطاع غزة الذي إختبر عدة حروب مع العدو الصهيوني.
لذلك إرتكزت الخطط العسكرية التي وضعها القادة العسكريون في محور المقاومة، على تشتيت قدرات العدو من خلال المعارك على جبهات عدة، إستناداً للتجارب الحربية المكتسبة من خلال الحروب السابقة القائلة بأنه لا يقاتل على أكثر من جبهة في الوقت نفسه، ومن هنا ظهر مبدأ وحدة الساحات.
بالإضافة الى ذلك تم التفكير في الحد من فعالية التفوق الجوي وذلك بالتخفي تحت الأرض لتلافي التدمير الذي يعتمده الجيش الإسرائيلي في عملياته العسكرية سواء كانت هجومية أم دفاعية، ومن هنا تم الإعتماد على فكرة حفر الأنفاق التي تستخدم لحماية القوات والمعدات لتبقى على جاهزيتها، بإنتظار وصول العدو الى مسافات قريبة تسمح بالقتال المتقارب من جندي الى جندي وبالأسلحة الفردية من جهة، ولتفادي تدمير القوات المتقدمة والتعزيزات من الخطوط الخلفية لأنها تكون مكشوفة على طرقات التقدم فوق الأرض ويسهل إعتلامها وتدميرها من جهة ثانية.
ومن جهة ثالثة، تم التفكير في حشد القوات الى أقرب مسافة ممكنة من المواقع العسكرية الإسرائيلية بشكل مخفي تحت الأرض، تحضيراً للقيام بعمليات هجومية متزامنة من عدة جبهات تؤمن المفاجئة للعدو وتربكه وتعطي أفضلية في بداية المعركة لمحور المقاومة. وهذا ما حدث على جبهة غزة فقط دون الجبهات الأخرى لأسباب ربما كانت عائدة الى إغتيال عدد كبير من قادة محور المقاومة الذين كانوا يخططون لذلك، مما تسبب في عدم إكتمال التحضيرات للحرب الكبرى، وتم القيام بتنفيذ جزء من الخطة العسكرية في 7 تشرين أول 2023 في غزة، التي كانت إنموذجاً يحتذى به ضمن خطة مكتملة ومتزامنة.
أدت الأنفاق دورها التكتي في حرب غزة حيث ما زال المقاومون صامدون ويقومون بعملياتهم في مقاومة العدو الإسرائيلي، وهو دور دفاعي وحمائي أمن إستمرار المقاومة لمدة ثمانية أشهر تقريباً حتى الآن. ولكن العمل الدفاعي العسكري لا يمكن أن يستمر الى وقت طويل جداً وخاصة في حالة الطوق كما هو الوضع في غزة، لإعتبارات لوجستية في الدرجة الأولى تتعلق بحاجات المعركة من عديد وعتاد وإعادة تموين وتعويض الخسائر.
فكان لا بد من الناحية العسكرية أن تكون عمليات الدفاع جزء من خطة عسكرية استراتيجية أكبر ذات مراحل وأنماط قتالية مختلفة تؤدي الى هزيمة العدو أو إيقافه عند حد معين، وعادة ما تعمد القيادة الى القيام بعملية هجوم لفك الطوق عن القوات المحاصرة وسحبها الى المناطق الخلفية المحررة لإعادة تأهيلها وتنظيمها.
وهذا ما كان يجب أن ينطبق على التخطيط للحرب في غزة اليوم، لأن العمليات العسكرية تجاوزت حرب الغرية أو حرب العصابات، نظراً لكثرة عدد الجيوش والأسلحة المستخدمة من كلا الطرفين على الجبهات المختلفة.
والسؤال المطروح اليوم أمام محور المقاومة: هل هناك من خطة لفك الطوق عن المقاومة في غزة؟
وفك الطوق قد يكون بالطرق العسكرية إذا أمكن، أو من خلال الضغوطات السياسية الدولية لوقف إبادة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وهذا غير متوافر حتى الآن لأسباب تتعلق بموازين القوى أولاً وبمواقف الدول الكبرى الغربية المؤيدة للكيان الإسرائيلي بسبب مصالحها ثانياً.