الحرب الإسرائيلية… لتغيير المعادلات

كاتب وباحث سياسي وأستاذ جامعي
يشنّ العدو الإسرائيلي حربًا عسكرية وثقافية ومعنوية ونفسية، بهدف إذلال المجتمع المقاوم ومحو ذاكرته المقاومة وتهجين ثقافته، عبر استهداف الرموز القيادية والدينية والثقافية. يقتل القادة، يدمر المساجد، يجرف المقابر، ويدمر الآثار التاريخية، في محاولة لكسر المعادلات التي استطاعت المقاومة تثبيتها من خلال قواعد الاشتباك، الردع المتوازن، والندية في القصف والتهديد. الهدف هو اجتثاث المقاومة، سلاحًا وعديدًا وفكرًا، وجعلها جزءًا من الماضي، خارج إطار الحاضر والمستقبل.
العدو يسعى بشكل خاص لنزع سلاح المقاومة الفكري والعسكري، إذ يمكن تأمين السلاح العسكري في فترات زمنية قصيرة قد لا تتجاوز الشهر أو السنة، لكن السلاح الفكري يحتاج إلى جيل أو جيلين لإعادة تكوينه وإحيائه.
إن الإعداد لبناء المقاومة العسكرية يتطلب أيضًا بناء مقاومة ثقافية وإعلامية شاملة، لحماية سلاح المقاومة العسكري. وفي حال تدميره أو نزعه، يبقى المخزون الفكري والثقافي والديني، لضمان إعادة إحياء المقاومة الميدانية عندما تتوفر الظروف وتصبح الحاجة إليها ملحة. فالمقاومة تسير على قائمتين: “السلاح والكلمة”.
تسعى إسرائيل إلى كسر المعادلات التي استطاعت المقاومة تهشيم بعضها وتثبيت بدائل عنها، وهذه بعض المعادلات التي يعمل العدو على استعادتها:
- إعادة تثبيت معادلة “الجيش الذي لا يقهر”: هذه المعادلة التي حكمت العقل العربي لمدة خمسين عامًا، وأصبحت من الثوابت التي تتحكم في قرار المواجهة مع العدو، وقد سببت هزيمة نفسية قبل الهزيمة العسكرية. ولكن المقاومة في لبنان قهرت الجيش الذي لا يقهر، وانتصرت عليه عامي 2000 و2006، ولم تنهزم أمامه عام 2024.
- كسر معادلة تحرير الأرض بلا شروط: وهي المعادلة التي حققتها المقاومة في تحرير عام 2000، لإعادة تثبيت الانسحاب مقابل التطبيع والسلام.
- كسر قواعد الاشتباك: التي استطاعت المقاومة تثبيتها لأكثر من 20 عامًا، منذ عام 2000 حتى 2023، والتي قيدت القرار العسكري الإسرائيلي، حتى وصل الأمر إلى تقسيم “قبر العباد” إلى نصفين وتثبيت معادلة الرد بالمثل.
- كسر معادلة “تل أبيب – الضاحية”: واستبدالها بمعادلة “كريات شمونة – الضاحية”، كما صرح وزير الدفاع الإسرائيلي، في محاولة لمطاردة “السيد الشهيد” واغتيال معادلاته بعد اغتياله، لتثبيت نصر عسكري ومعنوي على المقاومة في الداخل الإسرائيلي وطمأنة المستوطنين أن تهديد المقاومة لن يتجاوز شريط المستوطنات الحدودية ولن يصل إلى العمق الإسرائيلي كما كان سابقًا.
- كسر معادلة “الأمن بالأمن”: واستبدالها بمعادلة “الأمن بالتطبيع”، بعدما استطاع الإسرائيليون تثبيت معادلة “الأرض مقابل السلام” مع العرب، وعدم قدرتهم على فرض هذه المعادلة في لبنان بسبب قوة المقاومة والتجربة الإسرائيلية في فترة الاحتلال للجنوب والوصول إلى بيروت.
- إلغاء المعادلة الثلاثية (الجيش – الشعب – المقاومة): واستبدالها بثلاثيات متنوعة، واحدة إسرائيلية-أمريكية (نزع السلاح – التطبيع – الدبلوماسية)، وأخرى لبنانية (الجيش – الشعب – الدولة). وفي حال عدم استسلام المقاومة وأهلها، يتم تثبيت ثلاثية (القصف – الاغتيال – الترهيب الدائم).
ستواصل إسرائيل حربها المعنوية والثقافية لإجتثاث ثقافة المقاومة، وإلغاء المصطلحات المتعلقة بها، استنساخًا لما تقوم به إدارات وسائل التواصل الاجتماعي، بمنع استعمال الأسماء الصريحة مثل “السيد الشهيد”، وقادة المقاومة، أو راياتها، أو إعلامها، وأفلامها المصوّرة. كما تلجأ إلى مسرحية إطلاق الصواريخ على نفسها لشن حرب لمدة “يوم واحد” لإلغاء “يوم القدس” في إطار الحرب على الرموز. وبعد اغتيال السيد الشهيد، يتم اغتيال “يوم القدس”، ويمكن أن يتم اغتيال أي فعالية ثقافية أو شعبية أو اقتصادية تتعلق بالمقاومة.
حتى في القرى الحدودية المدمرة، يتم اغتيال الحياة، ولو كانت غرفة جاهزة لبيع الماء والشاي، كما يتم تجريف القبور ومحو معالمها، كي لا يكون لها دور في إعادة الأحياء إلى تلك القرى في زياراتهم أيام العيد وليالي الجمعة.
إننا بحاجة إلى مقاومة ثقافية وإعلامية وفكرية وفنية لمواجهة الحرب الثقافية والنفسية والمعنوية التي يشنّها العدو، ولتكامل “السلاح والكلمة”، خاصة أننا مقصرون في كتابة وتأريخ مقاومتنا وبطولات المجاهدين الأسطورية وحفظ تاريخ هذا الجنوب المقاوم الذي يسبح في دمائه ويتألم من جراحه، لكنه لم ولن يرفع راية الاستسلام ولن يعترف بالتطبيع، حتى لو وقّعته الدولة اللبنانية وطوائفها وأحزابها وحكومتها ومجلس نوابها.
إن دمّرتم السلاح أو قتلتم حامليه… ستبقى الكلمة والفكرة المقاومة التي لن تموت.
