إسرائيل والإبادة المتقطّعة ضد لبنان: القتل على دفعات والصمت كشريك/ غنى شريف
لم يعد ما تقوم به إسرائيل في لبنان مجرّد “خروقات” أو “اشتباكات حدودية”، بل أصبح “نمطاً ثابتاً من العدوان المنظّم” الذي يمكن وصفه بدقة بأنه “إبادة متقطّعة”.
فالقصف شبه اليومي على القرى الجنوبية، واستهداف البقاع بالصواريخ والطائرات المسيّرة، ليسا ردود فعل عشوائية، بل “سياسة استنزاف بطيئة” تهدف إلى تدمير البنية الاجتماعية والاقتصادية، وتهجير السكان تدريجياً من مناطقهم.
توزيع القتل والدمار على مدى العام، بدل تركيزه في حرب قصيرة، يجعل من الصعب على الرأي العام الدولي أن يتعامل معه كجريمة إبادة واضحة.
لكن النتيجة واحدة: الضحايا بالعشرات والمنازل بالمئات، والبيئة الحاضنة للمقاومة تُفرّغ من سكانها بصمتٍ مقصود.
بهذا الأسلوب، تحوّل إسرائيل الزمن إلى أداة قتل — تمارس الجريمة نفسها، ولكن على مراحل محسوبة.
أمام هذا المشهد، يطرح السؤال نفسه: هل المجتمع الدولي عاجز حقاً، أم متواطئ بالصمت؟
حين تُستهدف قرى الجنوب والبقاع، وتُقتل العائلات، وتُدمَّر المزارع والمستشفيات، ثم تكتفي العواصم الغربية بدعوات “ضبط النفس من الطرفين”، فإنها في الواقع تمنح إسرائيل الغطاء الزمني لمواصلة عدوانها.
العجز المتكرر لا يُبرّئ أحدًا؛ فالصمت في وجه الجريمة يصبح “مشاركة فيها”، خصوصاً حين يترافق مع استمرار الدعم السياسي والعسكري لتل أبيب.
البيئة اللبنانية المستهدفة، من الجنوب إلى البقاع، لا تواجه حرباً تقليدية، بل “حرب وجود بطيئة”.
ولذلك فإن الدفاع عن النفس لا يقتصر على المقاومة الميدانية، بل يشمل أيضاً المقاومة الإعلامية والحقوقية والسياسية.
كل توثيق لجريمة، وكل كشف للحقيقة، هو عمل مقاوم. فإسرائيل تراهن على الإنهاك والاعتياد، بينما رهان لبنان يجب أن يكون على الوعي والذاكرة والصمود.
لقد نجحت إسرائيل في تحويل العدوان إلى روتين دولي، والموت إلى رقم في نشرات الأخبار، لكن هذا لا يُغيّر جوهر الحقيقة:
ما يجري على الأرض هو “إبادة متقطّعة تُمارس ببطء، وتُغطّى بالصمت الدولي” ، والسؤال الذي يجب أن يُطرح اليوم ليس: “متى سيتوقف القصف؟”، بل: متى سيتوقف العالم عن التواطؤ بالصمت؟
