ظاهرة الإدمان على الأجهزة تهدد طفولتنا قبل شبابنا!**
بقلم خبيرة الأطفال الأستاذة رقيّة حسن النجار
هل تخيّل أحدنا أن يأتي يوم يصبح فيه الهاتف رفيق الطفل قبل الأم؟ أن يهدأ الصغير فقط حين تُقدَّم له الشاشة بدل الحضن؟ نحن أمام جيلٍ يُربَّى بالأصابع لا بالأحضان… جيلٍ يرى العالم من خلف الزجاج ولا يعرف طعم الحياة الحقيقية!
الصدمة: طفولة تُسرق بصمت
لم يعد الإدمان على الأجهزة بين المراهقين فقط، بل بدأ من الرضاعة!
طفل في عامه الأول يُسكت بهاتف، وآخر في عامه الثالث يحفظ أسماء التطبيقات أكثر من أسماء أقاربه!
لقد تحوّلت الأجهزة إلى مربٍّ بديل، وإلى “منوّمٍ رقمي” يخطف العقول قبل أن تنضج.
كيف نُشخّص الإدمان؟
الإدمان الرقمي لم يعد مجرّد “وقت طويل أمام الشاشة”؛ بل مرض سلوكي ونفسي يُقاس بعلامات واضحة:
القلق والتوتر عند منع الجهاز.
العزلة الاجتماعية وعدم الرغبة باللعب أو التفاعل الواقعي.
تراجع التحصيل الدراسي، وضعف التركيز والذاكرة.
سهرٌ مزمن واضطرابات في النوم.
نوبات غضب حادّة عند انقطاع الإنترنت أو الهاتف.
هل هذا جيل تكنولوجي؟ أم جيل فاقد للسيطرة على نفسه؟ الحقيقة أننا أمام جيلٍ يُقاد بالأزرار!
إلى أين نحن ذاهبون؟
جيل اليوم لا يحلم، بل يتصفّح. لا ينتظر المستقبل، بل يعيش في “الآن الرقمي”.
تراه يضحك على فيديو، لكنه عاجز عن الابتسام في الواقع.
جيل فقد المهارات الاجتماعية، والخيال، واللغة، وحتى التعاطف!
جيل يعرف “الإعجاب” الإلكتروني، لكنه لا يعرف كيف يُعبّر عن الحب أو يتحمّل الرفض.
إنها كارثة تربوية صامتة، تهدم شخصية الطفل من الداخل، دون أن نسمع صوت الانهيار.
الوقاية… قبل فوات الأوان
الوقاية تبدأ من البيت لا من المدرسة، ومن القدوة لا من الأوامر.
تحديد وقت الشاشة بصرامة (ساعة يومياً كحد أقصى للأطفال دون 12 سنة).
منع الهاتف قبل النوم بساعة على الأقل.
ملء وقت الطفل بالبدائل الواقعية: الرسم، الرياضة، القصص، الحديقة، الأصدقاء.
الحوار الصادق مع الطفل عن خطر الإدمان بلغة بسيطة ومقنعة.
قدوة الأهل: لا يمكن أن نطلب من طفل ترك الهاتف ونحن نمسك به طوال الوقت!
صرخة أخيرة!
جيل الهاتف لا يحتاج تطبيقات جديدة، بل قلوباً حقيقية تحتويه.
إذا لم نتحرك اليوم، فسنُسلِّم العالم غداً لأطفال لا يعرفون أنفسهم، لا يملكون صبراً، ولا يميزون بين الواقع والوهم.
إنها ليست “مرحلة مؤقتة”… بل بداية انهيارٍ صامتٍ للجيل القادم.
فلنُعد لهم الطفولة قبل أن تُصبح بالكامل افتراضية!
