من يلاحظ أولًا… المعلّمة أم الأم؟ حين يصبح التنبيه مسؤولية لا جريمة،،،
بقلم خبيرة الطفولة والتربية الأستاذة رقيّة حسن النجار
في زمنٍ تتسارع فيه الحياة، وتتبدّل فيه سلوكيات الأطفال بسرعة الضوء، لم يعد دور المعلّمة مقتصرًا على التعليم فحسب، ولا دور الأم محدودًا داخل جدران البيت. كلاهما — الأم والمعلّمة — شريكتان في بناء إنسان المستقبل، وغياب إحداهما عن هذا الدور يفتح الباب واسعًا أمام مشكلات سلوكية ونفسية يصعب إصلاحها لاحقًا.
كثيرًا ما نسمع من بعض الأمهات اعتراضًا حين تُلفت المدرسة نظرها إلى سلوك أو تصرف لاحظته على طفلها.
لكن السؤال هنا:
هل هذا تنبيه يُحاسب عليه المعلّم؟ أم أنه موقف مسؤول يُشكر عليه؟
الجواب واضح وصريح:
المعلّمة التي تلاحظ وتبلغ هي خط الدفاع الأول عن الطفل، وهي لا تُدين، بل تُنقذ.
فكم من طفل أُهمل سلوكه حتى تحوّل إلى مشكلة حقيقية في البيت والمدرسة معًا!
وكم من إشعار بسيط أو ملاحظة من معلمة واعية كانت سببًا في كشف اضطراب، أو قلق، أو تنمّر، أو حتى ضعف في التواصل أو الانتباه قبل أن يتفاقم الوضع.
ليست مراقبة… بل مسؤولية
المعلمة التي تراقب طلابها بعين المربية لا بعين الرقيب، تستحق التقدير لا العقاب.
لأنها تقوم بدور مكمل لدور الأم، وتضع يدها على الجرح قبل أن يتسع.
أما المدرسة التي تصمت خوفًا من “ردّة فعل الأهل” فهي تخسر شراكتها التربوية الحقيقية، وتشارك — دون قصد — في ضياع الجيل القادم.
والتعاون هو الحل
حين تتلقى الأم ملاحظة من المدرسة، عليها أن تستمع لا أن تدافع.
أن تسأل “كيف نساعده؟” بدل أن تقول “طفلي لا يفعل ذلك!”.
التعاون بين الأسرة والمدرسة هو الطريق الوحيد لبناء جيل سليم نفسيًا وسلوكيًا.
فالتربية الحديثة لا تقوم على التبرير، بل على الشراكة في الحلول.
في عصر السرعة والجيل الذكي، لا يكفي أن نعلّم أبناءنا القراءة والكتابة فقط، بل علينا أن نراقب ونحتوي ونوجه.
فالمعلمة التي تلاحظ وتبلغ، والأم التي تتفهم وتتابع — هما جناحا الأمان لطفلنا.
فلنشكر لا أن نلوم…
ولنتعاون لا أن نتجادل…
لأن “الوقاية بالتعاون” خير من “العلاج بالندم”.
