عيد التحرير… وغياب الصوت الذي اعتدناه/ غنى شريف
في مثل هذا اليوم من كل عام، يتجدد في قلوبنا الفخر والانتماء، إذ نحتفل بذكرى تحرير الجنوب اللبناني من عدو غادر غاشم، لم يعرف يوماً للسلام سبيلاً ولا للحق نهجاً. إنه عيد التحرير، الذي تحقق بفضل دماء الشهداء الزكية التي روت تراب الجنوب، وبفعل صمود شعب آمن بحقه، ومقاومة جعلت من المستحيل واقعاً، ومن الاحتلال هزيمة مدوية.
هذا العيد ليس مجرد ذكرى؛ إنه رمز للعزة والكرامة، لنهجٍ ما زال حياً فينا، يرفض الذل، ويؤمن أن الحق لا يُستجدى بل يُنتزع. في كل عام، كانت الجماهير تنتظر خطاب السيد، ذاك الخطاب الذي لم يكن مجرد كلمات، بل روحاً تعبئ الهمم، وتشعل الإيمان في النفوس، وتؤكد أن الطريق إلى القدس يبدأ من هنا، من أرض الجنوب المحررة.
غير أن هذا العام مختلف. غاب خطاب السيد، وغابت معه تلك اللحظة التي كانت تجمع القلوب حول أمل واحد، ومشروع واحد، هو التحرير الأكبر، تحرير فلسطين والقدس. هذا الغياب ليس عادياً، إذ يشعر به كل من أدرك معنى المقاومة، وعايش تلك اللحظات التي صنعت تاريخاً جديداً للمنطقة.
لكن ما يُهوِّن علينا في هذا الغياب، هو حضور دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري، حامل راية المقاومة، الذي وإن وقف وحيداً في كثير من المواقف، إلا أنه كان جسوراً ثابتاً، لا يتزعزع إيمانه بخيار المقاومة، ولا يلين في الدفاع عن الثوابت. حضوره السياسي والوطني اليوم هو صمّام أمان، ورسالة أن الخط المقاوم لن يُهزم، طالما هناك من يؤمن به، ويقاتل لأجله بالكلمة والموقف والموقع.
وإن غاب الخطاب، فإن روحه لم تغب. فكل بيت جنوبي، وكل قلب مؤمن بخيار المقاومة، يردد ما كان السيد يقوله، ويحمل الراية بثبات. لا شيء يمكن أن يطفئ جذوة هذا النهج، ولا غياب صوت، مهما علا تأثيره، يمكن أن يسلبنا البوصلة.
اليوم نحتفل، لا بالبهرجة أو الكلمات، بل بالوفاء للشهداء، وبالتمسك بالوعد، وبالاستمرار على الطريق. نحتفل بإرادة لا تُكسر، وبوعد لا يُخلف: أن التحرير سيكتمل، وأن القدس ستعود، شاء من شاء وأبى من أبى.