تدخل “كربلاء” الشيعة اللبنانيين عامها الثالث بلا مؤشرات لنهايات قريبة، وربما تمتدّ إلى «عشريّة نازفة». الأقوال والسلوكيات توحي بما هو أسوأ: تزايد الخصوم وتناقص جبهات المواجهة مع العدو الإسرائيلي، حتى تحوّل الشيعة والمشروع المقاوم في لبنان إلى غرباء في وطنهم، منبوذين ومعزولين. أصبحت «المقاومة» جريمة تُعاقَب عليها فكريًا قبل أن تُقاس بالسلاح؛ وصارت العمالة وسامًا يتنافس عليه الأنذال لتعرّضه على صدورهم، بينما يُعتدى على المقاومين الذين كشفوا خيانتهم.
كل حركة إصلاحية أو مقاومة أو شخص من أهل الإصلاح يتحوّل لدى الخائنين والمستسلمين إلى عدو. في الماضي اتُّهمت أنظمة وحركات يسارية بالكفر لأنها ناصرت الفقراء والعمال، وحُوِّلت أحزاب اليسار إلى «شياطين» تقمعها السلطة. وكذلك طُرد الفدائيون الفلسطينيون ونُفّوا، واليوم تبقى في هذه الأمة بعض حركات المقاومة وبعض الأشخاص المقموعين. في لبنان بقيت المقاومة وطائفتها، لكنها تعيش الغربة والعزلة، حتى تجرّأ بعض أبواق السفارات والحسابات الحزبية على التهجّم على عقيدتها وثقافتها ورموزها، ووصلت النذالة إلى حد السخرية من القيم واعتبار مقاومة العزة «ثقافة خمر ورقص للعدو»!
يتّهم البعض الرسميون والحزبيون ورجال دين المقاومة بأنها فتحت الأبواب أمام الاعتداءات الإسرائيلية، ويتبرّؤون من العدو الذي يقصف آبار المياه والجرافات والأفران، ويمنع قطاف الزيتون، ويُحاول حرمان الناس من كل مقوّمات الحياة. إن مطالبات نزع سلاح المقاومة لم تكن فقط عن صواريخ، بل امتدت لتطال كل لفظٍ مقاوم، وكل لوحة أو أنشودة تعبّر عن الكرامة. فنسأل أولئك المناوئين:
-
هل تحمل المقاومة سلاحها داخل فلسطين المحتلة أم في لبنان؟
-
هل تطالبون بنزع سلاح المقاومة من لبنان بينما إسرائيل تحتلّ أرضنا؟
-
هل تُطبّق السلطة القوانين اللبنانية أم القوانين الأجنبية؟
-
هل تعتقدون أن تشويه المقاومة سيجلب لكم الأمان؟
من يظنّ أنه سينجو بعد قطع رأس المقاومة وطائفتها فهو واهم وساذج؛ ومن يعتقد أن الشيعي سيُنجى إذا قُطع رأس حزبه فهو واهم أيضًا. إسرائيل لا تعترف بالحلفاء؛ ولن تكافئ من يطعِن المقاومة في الظهر. تذكروا كيف تركت القوى الكبرى عملاءها في أفغانستان والعراق وغزة… وستفعل الشيء نفسه هنا. المقاومة تُناشد: لا تكونوا في خندق العدو، لا تطعنوا ظهرنا، فالعدو لن يعطيكم ثمناً، بل سيترككم لمصيركم.
سنصبر ولن نستسلم، لكن سننهض بإذن الله. لا نستجدي عطفكم—فنحن لا نكون ضعفاء، بل حكماء وعقلانيون. نحصر سلاحنا بوجه العدو، ونعمل على إعادة توازن الردع الذي يمنع الاعتداء على لبنان. إن لم نستطع الآن، فسيتكفّل أبناؤنا وأحفادنا بذلك. لن نغامر ولن ننتحر؛ سنقاوم بعقلٍ وصبرٍ وشجاعة—وننتصر بإذن الله.
د. نسيب حطيط