“التحرّش من القريب قبل الغريب… حين يصبح الأمان مهددًا من الداخل” \ رقية حسن النجار
هل بات الطفل فريسةً في زمنٍ يختلط فيه الحبّ بالأذى؟
ما عاد الخطر في الشوارع فقط، بل تسلّل إلى البيوت، إلى الأماكن التي يُفترض أن تكون مأوى الأمان والحنان.
التحرّش لم يعد وجهًا غريبًا يقترب من طفل في طريق المدرسة، بل قد يكون وجهًا مألوفًا… قريبًا يزورنا، أو يعيش معنا، أو يحمل لقب “العم” أو “الخال” أو حتى “الأخ”.
حين يتحوّل القرب إلى خطر
الألم الأعظم أن يُؤذى الطفل من شخص يثق به.
القريب الذي يُفترض أن يكون حاميًا، يتحوّل في بعض الحالات إلى مؤذٍ صامت يعرف متى وأين وكيف يستغل الطفولة.
هنا لا يتأذّى الجسد فقط، بل تتصدّع الثقة، ويتشوّه الإحساس بالأمان الذي هو أساس التوازن النفسي للطفل.
دور الأهل بين الغفلة والمسؤولية
كثير من حالات التحرش تبدأ بإهمال بسيط من الأهل.
حين لا ينتبهون لتصرّفات غير طبيعية بين الطفل وأحد الأقارب،
أو حين يُجبرون الطفل على “تقبيل” الكبار ومجاملتهم رغم رفضه،
أو حين يسكتون عن خوفه، ويعتبرون كلامه “خيال طفل” أو “مبالغة
الأهل هم الدرع الأول.
من دون هذا الدرع، يصبح الطفل فريسة سهلة، لا للغريب فحسب، بل لمن يعرف مفاتيحه جيدًا.
كيف نحمي أطفالنا؟
. الثقة والاحتواء:
اسمح لطفلك أن يتحدث عن كل شيء دون خوف.
الطفل الذي يشعر بالأمان سيتكلم، والطفل الخائف يصمت ويتأذى.
. التثقيف الهادئ:
علّمه أن “جسده ملكه”، وأن لا أحد يحق له لمسه إلا في حدود العناية المشروعة (كالطبيب بحضور أحد الأهل).
. المراقبة دون تقييد:
ليس المطلوب أن يعيش الطفل في خوف، بل أن يعيش في وعي.
. عدم التهاون:
أي شكّ، أي تصرّف غير مريح، يجب أن يُؤخذ بجدية.
لا تقل “هذا مستحيل”، فالخطر الحقيقي يبدأ حين نغضّ الطرف.
رسالة أخيرة
التحرّش من القريب قبل الغريب جرحٌ مضاعف، لأن الخيانة تأتي من حيث يُفترض أن يكون الأمان.
احموا أبناءكم بالوعي، لا بالخوف.
امنحوهم الثقة، لا الصمت.
ولا تسمحوا لأحد، أيًّا كان، أن يطفئ براءة أرواحهم.