“ترامب” وخطاب التضليل: وهمُ الانتصار وادعاء إنهاء الحرب/ د. نسيب حطيط
اختار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منبر الكنيست الإسرائيلي لإعلان “انتصاره” في الحرب، ولادعاء تحقيق سلام شامل، وللتماهي مع رئيس وزرائه الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مُصحوبًا بإهانة رؤساء وملوكًا وأمراء عربًا ومسلمين وأوروبيين أُجبروا على الانتظار لبدء قمة شرم الشيخ التي عُقِدت لتصديق قراراته والتصفيق لخطابه الانتصاري.
لا يمكن إنكار أن التحالف الأمريكي–الإسرائيلي حصل على مكاسب كانت تبدو شبه مستحيلة، ولم يكن يمكن تحقيقها إلا بدفع أثمان كبيرة على صعيد السياسة والجغرافيا والوقت. استطاعت الولايات المتحدة، مدعومة بذراعها العسكري الإسرائيلي وأذرع إقليمية من دول عربية وتركية وجماعات تكفيرية، أن تُنجز ما بدى خياليًا وبسرعة قياسية: سقطت مؤسسات وساحات في سوريا خلال أيام، واغتيلت قيادات محور المقاومة التي قادت العمل المقاوم لعقود، رغم انتصارات محلية حققتها المقاومة على فترات وألحقت هزائم معنوية وإستراتيجية بإسرائيل والولايات المتحدة. وتوالت موجات التطبيع بينما هرولت دول إلى زحمة “حجز المقاعد” على قطار الاستسلام، فلم يبقَ على أرصفة الشرف والكرامة إلا بعض حركات مقاومة في لبنان وفلسطين والعراق واليمن وإيران.
اختار “ترامب” توقيتًا رمزيًا لخطابه المزعوم في أكتوبر، ردًّا للكيان الإسرائيلي بعد عملية “طوفان الأقصى”، سعياً لاسترداد الأسرى في توقيت مماثل لما فعلته حماس، ولإيهام الجمهور بأن القضية قد حُسِمت. لكنّنا أمام فخ تضليلي نفسي: إن صدقنا أن الحرب انتهت فسنعجز عن الاحتفاظ بما تبقّى من أوراق قوة، ونغفِل مخاطر تمدّد النفوذ الإسرائيلي–الأمريكي. لذلك لا بدّ من توضيح نقاط الخداع والتضليل كما يلي:
-
كذبة “انتهاء الحرب”: أعلن “ترامب” أن الحرب انتهت وكرّر ذلك مرارًا… لكن أي حرب انتهت؟ هل الحرب في غزة؟ أم الحرب في لبنان؟ أم الحرب في اليمن وسوريا والضفة؟ الواقع أن الحرب لم تنته؛ فقد توقّفت العمليات العسكرية في غزة مؤقتًا فقط، ويمكن أن تُستأنف في أي لحظة تسعى فيها إسرائيل وأمريكا لمكاسب إضافية. أما الحروب والمواجهات الإقليمية فلا تزال مستمرة أو مهددة بالتجدد.
-
كذبة “السلام”: ادّعى “ترامب” أنه صنع سلامًا تاريخيًّا في المنطقة. لكن أي سلام تحقق؟ هل قامت دولة فلسطينية مستقلة؟ هل انسحبت إسرائيل من الأراضي المحتلة والتزمت قرارات وقف النار والقرارات الدولية؟ هل توقفت إسرائيل عن حملتها الأمنية والعسكرية ضدّ إيران أو عن اعتداءاتها في سوريا والعراق واليمن؟ لا سلام حقيقيًا ما دام الانقسام واسعًا والقرار مسلوبًا لدى غالبية الأنظمة التي رضخت لشروط الخارج. الشرق الأوسط منقسم بين أغلبية خاضعة مستسلمة وقلة مقاومة مستمرة في رفض الاستسلام.
-
كذبة “إعلان النصر”: صحيح أن التحالف الأمريكي–الإسرائيلي جمع أرباحًا ومكاسب استراتيجية مؤقتة، لكن لا يمكن إعلان نصر نهائي ما دام المشروع المقاوم حيًا فكريًا ومعنويًا. المشروع المقاوم ليس أشخاصًا فقط، بل فكرة وعقيدة لا تموت. قد تضعف فروعها أو تُجّرح، لكن الجذع قد يزهر من جديد بتضحيات وإرادة حقيقية.
لقد خسرنا معركة في حرب طويلة، لكننا لم نخسر الحرب بعد. بإمكاننا استرداد ما فقدناه إذا قمنا بمراجعة أخطائنا، وتشخيص نقاط الضعف، وترميم الثغرات، وإدارة المواجهة بذكاء وتوسيع مسارات المواجهة لتشمل الثقافة والفكر والسياسة والجغرافيا والاقتصاد — فمَن يتحكّم بلقمة العيش والدواء قد يسلب حتى سلاحك واغلب مكاسبك.
لا تصدقوا أكاذيب التضليل ولا تستسلموا للخوف. بالإمكان النهوض مجددًا، وبالإصرار والتضحيات سنمضي نحو الانتصار بقدر الله.