لبنان بين فوهة البارود وصفقات الكبار: من يدفع ثمن المواجهة؟/ ركان الضيقة
لبنان اليوم ليس على حافة الانفجار فحسب، بل في قلب تفاعلات إقليمية تُدار فوق رؤوس اللبنانيين.
البلد الذي صمد في وجه الاحتلالات والحروب، يجد نفسه الآن عالقًا بين معادلات لا يملك مفاتيحها، وأطرافٍ تفاوض على مستقبله دون أن يكون حاضرًا على الطاولة.
في كل جولة توتر أو تفاهم، يُكتشف أن لبنان ليس طرفًا في اللعبة بل ورقة في يد اللاعبين.
تُرفع شعارات “التهدئة” و“الاستقرار”، لكنها تخفي في طياتها اتفاقات على تقاسم النفوذ في البحر والغاز والقرار.
تُعقد القمم وتُصدر البيانات، بينما يزداد الخنق الاقتصادي ويُترك البلد لينزف ببطءٍ تحت عباءة “الإصلاحات” الموجّهة سياسياً.
المعضلة اللبنانية اليوم ليست فقط في الانقسام، بل في فقدان مركز القرار.
فالحكومة تدير أزمات لا تُحل، والقوى السياسية تترقب إشارات الخارج لتتحرك، فيما العدو الإسرائيلي يواصل محاولات فرض أمرٍ واقعٍ أمنيٍّ وسياسيٍّ جديد.
وبينما يراهن البعض على أن “الحياد” ينقذ لبنان من النار، تغيب عنهم حقيقة بسيطة:
الحياد في زمن العدوان ليس سلامًا، بل انسحاب من التاريخ.
منذ عام 2000، أثبتت التجربة أن قوة لبنان لم تكن يومًا في البيانات، بل في توازن الردع الذي فرضته المقاومة.
ومع ذلك، تتكرر الدعوات إلى “نزع السلاح” و“تسليم القرار للدولة” وكأن الدولة نفسها لا تُدار بالوصاية الخارجية منذ عقود.
أي دولة يمكن أن تحمي لبنان بجيشٍ بلا إمكانات، واقتصادٍ مرهونٍ للبنوك الدولية، وسياسيين ينتظرون الضوء الأخضر من الخارج؟
الصفقات الكبرى التي تُطبخ في المنطقة – من تطبيعٍ علني إلى تفاهمات تحت الطاولة – تُدار على حساب الدول الصغيرة، ولبنان في مقدّمتها.
لكن ما لا يدركه صانعو تلك الصفقات هو أن لبنان ليس مجرد مساحة يمكن إعادة رسمها، بل عقل مقاوم متجذر في تاريخه، أثبت أنه يعرف متى يصمت ومتى يواجه، ومتى يحوّل الهزيمة إلى نصرٍ جديد.
إنّ لبنان اليوم في أخطر لحظاته السياسية منذ الحرب الأهلية، لا لأن النار تقترب من حدوده، بل لأن بعض أبنائه بدأوا يتصرفون كأنهم “وسطاء” بين وطنهم والعدو، لا أبناء له.
وهنا تبدأ الكارثة الحقيقية: حين يصبح الانتماء قابلًا للمساومة، والولاء خاضعًا لحسابات التمويل والمناصب.
سيُكتب مستقبل هذا البلد لا في واشنطن أو باريس أو الدوحة، بل في الجنوب، حيث ما زال هناك من يؤمن أن الكرامة لا تُستورد، وأن الأمن لا يُشترى، وأنّ الوطن لا يُدار كصفقةٍ بل كعهدٍ.