رغم إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انتهاء حرب غزة، وادعائه أنه هو من أوقفها، بل وذهب إلى حدّ التباهي بأنه أطلق بداية ما سماه “سلامًا شاملًا”، إلا أنه لم يقل إنه سلام “عادل”. فقد أحاط نفسه خلال تصريحاته بقادة دول طالما عرفوا بتطبيعهم مع الاحتلال الإسرائيلي، ودعمهم له خلال عدوانه على غزة ومحور المقاومة. لكن السؤال الحقيقي الذي يطرح نفسه: هل انتصر ترامب فعلًا كما يروّج؟ أم أن محور المقاومة لم يقل كلمته الأخيرة بعد؟
لقد توقفت الحرب في غزة لأن ترامب قرر ذلك، لا لأن العدوان انتهى بانتصارٍ لأي طرف. فقد استخدم الفيتو الأمريكي مرارًا في مجلس الأمن لمنع صدور قرارات تُدين الحرب أو تدعو إلى وقفها. وكان واضحًا في تصريحاته أنه ساند إسرائيل بالسلاح، بل وأشاد بكيفية استخدامها لهذا السلاح، قائلًا إنها “استخدمته بشكل جيد”. ولكن عن أي “جودة” يتحدث؟ عن القصف الذي طال المدنيين؟ عن محاولات التهجير الجماعي؟ عن الحصار والتجويع؟ عن الإبادة التي استمرت لعامين، والتي واجهها أهل غزة بالصمود والتشبث بأرضهم رغم الدماء والدمار؟
في الوقت الذي تفرّج فيه العالم على ما يحدث، خرجت بعض الشعوب الغربية للتظاهر رفضًا للحرب، بينما اختار بعض الحكّام العرب دعم العدوان ماليًا وتخطيطيًا، بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي. وهذا ليس اتهامًا عشوائيًا، بل ما كشفته تقارير نُشرت في صحيفة “واشنطن بوست”، قبيل قمة شرم الشيخ التي عُقدت بحضور ترامب وأكثر من عشرين دولة، حيث أعلن خلالها وقف إطلاق النار.
لكن الملفت أن إيران رفضت حضور هذه القمة، معتبرة أن الولايات المتحدة ليست وسيطًا نزيهًا بل طرفًا معاديًا، خصوصًا بعد أن خاضت إدارة ترامب حربًا اقتصادية وأمنية ضدها. أما لبنان، فلم يتلقَ أصلًا دعوة لحضور القمة، في خطوة بدت كعقوبة سياسية بسبب عدم استجابته لمطالب حصر سلاح حزب الله.
رغم كل هذا، لا يزال ترامب يزعم أنه “هزم” إيران وحزب الله. لكنه في الوقت نفسه، لا يتوقف عن المطالبة بنزع سلاح الحزب! كيف يكون قد انتصر إذًا؟ الواقع على الأرض يُكذّب هذه الادعاءات، وكان الرد الواضح من الحزب من خلال التجمع الكشفي الحاشد، الذي عُدّ الأكبر من نوعه عالميًا، وأظهر أن الحزب لا يزال حاضرًا بقوة، شعبيًا وتنظيميًا.
ولا يقتصر الصمود على حزب الله فقط، بل لا تزال حماس، واليمن، والعراق كذلك، حاضرين بقوة ولم يُهزموا. فالحركات والمقاومات في هذه الدول تواصل مواجهة الاحتلال والاستبداد، وتعبر عن رفض شعوبها للاستسلام، مما يؤكد استمرار محور المقاومة على الساحة الإقليمية رغم الضغوط والاعتداءات.
أما إيران، فقد أعلنت أنها طورت قدرات عسكرية قادرة على الرد الحاسم في حال تعرّضها لأي اعتداء، وهي تؤكد باستمرار جهوزيتها للدفاع عن نفسها وعن حلفائها في المنطقة.
الخلاصة:
لا ترامب، ولا قمة شرم الشيخ، ولا صفقات التطبيع قادرة على إنهاء المقاومة. لأنها ببساطة، ليست مشروعًا سياسيًا محدود الأفق، بل رد فعل شعبي عفوي وطبيعي على الاحتلال والظلم والاستعمار. هي تعبير عن كرامة الشعوب التي قدّمت تضحيات جسيمة من أجل حريتها. ولهذا، فإن إعلان ترامب “نهاية الحرب” لا يعني شيئًا على أرض الواقع، لأن الواقع هو من يفرض كلمته في النهاية… وكلمة المقاومة لم تُقل بعد.