«ترامب» أنقذ إسرائيل… ولم ينقذ غزة: قراءة في خطاب الانتصار ومكاسب التحالف/ د. نسيب حطيط
أنهى دونالد ترامب «غزوة الانتصار» عندما صعد منبر الكنيست وفي قمة شرم الشيخ معلنًا انتهاء الحرب في غزة وبدء «السلام الشامل» بلمسة تبدو سحرية، كأنه أنهى ٧٠ عامًا من الصراع الذي عجز العالم عن حله. ولئن بدا أن العالم فشل طوال عقود في حسم القضية الفلسطينية، فإن إعلان ترامب أعلن أيضًا أن المتبقي من المقاومة سيُضطرّ إلى الاختيار بين التطبيع أو نزع السلاح أو الإقصاء بمساعدة أنظمته وحلفائه، وحتى القضاء على «رأس الأفعى» في إيران كما أشار مبعوثه.
لا خلاف على الترحيب بأي عمل يخفف عن أهل غزة من مأساة إبادة أو يعيد إليهم أدنى مقومات الحياة، لكن لا يجوز الوقوع في فخ التضليل الذي يشيع أن «ترامب أنقذ غزة». الواقع مغاير: تاريخياً، لا تقوم الولايات المتحدة بفعل يضرّ بإسرائيل أو يصبّ في مصلحة أعدائها؛ فهي توظف كل أدواتها وعلاقاتها لحماية الكيان الإسرائيلي. فالسؤال المركزي يبقى: هل أنقذ ترامب إسرائيل أم غزة؟
من الواضح أن ترامب بادر إلى إنقاذ إسرائيل على حساب غزة والقضية الفلسطينية، بعد سنتين من القتال واستنزاف المجتمع والجيش الإسرائيلي. بعد هذه الفترة الطويلة، بدا أن الخيارات الميدانية والسياسية لإسرائيل استنفدت، خصوصًا مع:
-
انحسار أهدافها إلى مزيد من التدمير وقتل المدنيين؛
-
استنزاف جيشها الذي خاض معارك ممتدة أحيانًا على جبهتين (لبنان وغزة)؛
-
تآكل الأمن والاقتصاد الداخلي الإسرائيلي نتيجة تحركات إقليمية وأعمال بحرية أثرت على خطوط الإمداد؛
-
تزايد الضغوط الإقليمية والدولية وتحركات مضادة عرقلت بعض أهداف التحالف؛
-
استنزاف قضية الأسرى مما دفع إلى حلول سياسية لتخفيف الضغوط الداخلية؛
-
رغبة في تثبيت مكاسب استراتيجية تم تحقيقها منذ «طوفان الأقصى» وتعزيز دور نتنياهو داخليًا.
فما هي مكاسب غزة فعلاً؟ ربحت غزة وقفًا مؤقتًا للعمليات العسكرية المكثفة واسترجاعًا لبعض الأسرى، لكنّ ذلك جاء بشروط غير مضمونة. إذ إن إسرائيل قد تزيد من الاعتقالات داخل غزة والضفة، وقد لا يكون هناك أي ضمانات بعدم إعادة اعتقال من أفرج عنهم، طالما بقيت الضفة أرضًا مكشوفة أمام عملية عسكرية أو اعتقالية إسرائيلية.
لا يعني التوقيع على اتفاق سياسي أن الحرب أو الحصار انتهيا؛ بل قد يستمر الضغط العسكري والأمني على غزة بمستوى أسوأ من ظروف أخرى إن لم تلتزم إسرائيل فعليًا بوقف النار ورفع الحصار الإنساني.
ربحت إسرائيل والولايات المتحدة وأطراف التحالف السياسي والإقليمي عبر تثبيت انتصارات سياسية مرحلية صادقت عليها دول في قمة شرم الشيخ، كما أخذت «شيكًا سياسيًا» من حماس وفصائل المقاومة في غزة يَترجمه البعض بتنازل عن السلطة ونزع للسلاح. لكنّ هذا الشيك لن يضمن تنفيذًا دائمًا، وقد تستخدم إسرائيل أي رفض فلسطيني ذريعة للتنصل من الاتفاق واستئناف العمل العسكري.
الخلاصة: ربح التحالف السياسي ما عجز عن تحقيقه ميدانياً. والتفاوض مع أمريكا وإسرائيل في ظل انعدام توازن القوى قد لا يخدم مصالح قوى المقاومة؛ وأحيانًا يكون الاستمرار في المقاومة، رغم ثمنه، أكثر ربحًا من توقيع وقف نار يؤدي إلى تسويات لا تحمي القضية ولا تضمن حقوق الشعب الفلسطيني.